إلى العالمية...


أثارت سارة سويدان، تلك الشابة المحجبة القادمة من مدينة صور اللبنانية، فضولي عند مشاهدة أحد الفيديوهات لها. أرغمتني بسبب تميزها في مجال تطوير واجهات المواقع ودوراتها التي أقامتها في أنحاء العالم في شركات تقنية مرموقة مثل شركة نتفليكس (Netflix) على الغوص في تفاصيل حياتها؛ لأتعرف أكثر عن عملها الحر، وكيف بإمكان الفتاة العربية أن تُسخِّر الإنترنت لخدمة الناس حول العالم، وما هي أسرار التميز في المجتمع التقني دون التخلي عن العادات و التقاليد.

أهلًا بكِ سارة. هل يمكنكِ تقديم نبذة صغيرة عن مدينة صور لمن لا يعرفها وأنا أولهم؟ هل هي بلدة معتمدة على التجارة؟ وهل تتواجد المؤسسات الحكومية فيها؟

أهلًا بك. مدينة صور اللبنانية تقع في الجنوب. لا أستطيع إعطاء معلومات دقيقة حول اعتماد صور على التجارة في الماضي وماذا كان يتواجد فيها، إلا أنني أؤكد لك أن قطاع السياحة أصبح رائجًا فيها وأصبحت تعتمد بشكل أساسي على هذا القطاع، ودائمًا ما تجدها مملوءة بالحياة و مزدحمة بالزوار. أما المؤسسات الحكومية فهي متوفرة في الجنوب بلا شك، ولكن معظمها يتواجد في عاصمة الجنوب صيدا بينما يتواجد القليل منها في مدينة صور.

عندما تقابلين أحدًا من أهل بلدتك ويتساءل عن طبيعة عملك، هل تشعرين بالحرج أثناء شرحك لما تقومين به؟

نعم، فأنا لا أرى نظارات الدهشة ولا أسمع عبارات الإعجاب عندما أخبرهم أنني أعمل في مجال تطوير المواقع (Web development) أو برمجتها؛ فهو أمر لا يعني لهم الكثير ويكتفون بقول: حسنًا! لذا أصبحت معتادة على هذا الأمر، وخاصة في مجال تطوير الواجهات الأمامية (Front-end development) الذي أتخصص فيه؛ فقد كان الاهتمام والتركيز سابقًا أقل بهذا المجال في لبنان وربما في الشرق الأوسط، بصراحة لست مطلعة حول الوضع هنا في لبنان والشرق الأوسط بشكل كبير لكن ربما يكون الوضع قد تغير. ووفق معلوماتي فإن التركيز هنا أكثر على: تطوير المواقع المتكامل (Full stack development)، وتطوير الواجهات الخلفية (Back-end development)، وأنظمة إدارة المحتوى (CMS)؛ لذلك حينما يسألني أحدهم عن عملي فإنني أضطر إلى شرحه ببعض التفصيل، وغالبًا لا يثير هذا إعجاب وحماسة الآخرين.

إذن لستِ مشهورة في بلدتك وربما تكونين بعيدة عن الأضواء، أليس كذلك؟

نعم، فأنا لا أفضل الحديث عن نفسي أو عن عملي ما لم يسألني أحد عنهما.

هل تشرحين لهم عملك من منظور تقني؟ أم تشرحين لهم أنك تعملين مستقلة (Freelancer) في مجال العمل الحر وتتعاملين مع الكثير من العملاء من جنسيات مختلفة؟

بالتأكيد لا أتحدث في الجانب التقني؛ بسبب عدم تواجد من يفهم بالمجال التقني هنا كما ذكرت سابقًا. لكن عادة ما يكون حديثي بشكل عام بأنني أقوم بعمل مواقع الإنترنت، يتساءل الناس عن معنى ذلك وهل أقوم بتصميم المواقع، فأخبرهم بأنني لا أصمم ولكن يأتيني التصميم جاهزًا عبر الصور ومن ثم أقوم بتحويل هذا التصميم إلى موقع يستطيعون الدخول إليه واستخدامه. في العادة يدور حوار طويل أشاهد فيه استغراب الكثيرين فأنا أسافر كثيراً؛ ولذلك غالبًا ما أُسئَل عمّا إذا كنت أعمل في شركة ما وأنها هي من ترشحني للسفر، فتكون إجابتي بالنفي وأني أعمل بشكل حر. والسؤال الذي تكون إجابته صادمة هو: أين أعمل؟ فأخبرهم أني أعمل في البيت، فتصيبهم الدهشة ليقولوا: بالتأكيد هذا عمل رائع! وأؤكد لهم ذلك وأخبرهم أنه من الجميل أن يكون لدى الشخص عمله الحر.

هذا يعني أنكِ رائدة في ثقافة العمل الحر في مدينة صور؛ فالعمل الحر ليس بالشيء المتعارف عليه بين أهلك وأقاربك وأستطيع أن أصفه بالغرابة، أليس كذلك؟

نعم، فالعمل الحر في مجال الإنترنت غير مألوف بعد، وعادة ما تذهب أذهان الكثيرين عند الحديث عن العمل الحر إلى التجارة بمفهومها العام. لكن أعتقد أن الرؤية بدأت تتضح للكثير في مجال البرمجة عبر الإنترنت، وأيضًا بدأ الكثيرون العمل في هذا المجال، ليس كمستقلين وإنما تحت مظلة شركات معينة؛ لأن المستقلين في هذا المجال أو على الأقل من أعرفهم ليسوا بالكم الكبير. وأود أن أخبرك أن معظم عائلتي أشخاص تقنيين: فأحد اخوتي يعمل في مجال الأمن السيبراني، والآخر يعمل خبير في قواعد البيانات. نحن عائلة مشهورة بـغيك فاميلي (Geek family)، هل فهمت ذلك؟

تقصدين العائلات التي تعمل على إصلاح الحواسيب؟

تمامًا هذا ما أعنيه. اخواني الذكور كانوا مشهورين بإصلاح الحواسيب منذ عشر سنوات؛ لذا عندما قررت اختيار هذا المجال لم يكن الأمر غريبًا عليهم.

رائع! إذًا عائلتك لديها خبرة ومعرفة في هذا المجال وتقبّلت الأمر بشكل عام؟

بشكل عام نعم، لكن تستطيع القول أنه كان هناك نوع من عدم التقبّل أو الاستغراب في بداية دخولي عالم العمل الحر عبر الإنترنت. فكنت بعد تخرجي من الجامعة و لمدة سنة و نصف مشوشة لا أعلم ماذا سأعمل، وفي العادة الفتيات هنا يعملنّ موظفات في الشركات أو مُدَرِّسات؛ لذا تعرضت لبعض الضغط في بداية مشواري المهني كي أعمل مثلهن، لكنني لم أرغب بهذا ولم أجد الوظيفة التي تشعرني بالشغف والتي أستطيع من خلالها تقديم عمل جيد. وأخيرًا قررت الدخول إلى عالم الإنترنت، فقد كان لدي صديق يعمل كمستقل عبر الإنترنت ودائمًا ما كان يشجعني ويرفع معنوياتي ويخبرني أن الأمر يتطلب بعض الصبر، وأنه لا بد أن أعمل على الأقل سنة كاملة حتى أستطيع بعدها أن أحصل على المال وأُصبح مشهورة على الإنترنت، وفعلًا بعد سنة من بداية عملي في هذا المجال حصلت على أول مبلغ مالي. بدأت وجهة نظر عائلتي نحو عملي تتغير لكن ما زالت الشكوك تخالجهم، فصحيح أنني بدأت أحصل على المال، ولكن هل يعد المال الذي أحصل عليه كافيًا لأعيش حياتي مقارنة بأي وظيفة أخرى؟ مع أنني أعمل بكل جهدي، إلا أنني أؤمن أن الرزق من الله تعالى وأن إيماننا به يجب أن يكون قويًا. اليوم، وبعد رحلة الصبر والمثابرة التي وفقني الله فيها أستطيع أخيرًا أن أقول أنني فخورة بنفسي.

ما هي نصيحتك لمن يتخرجون من الجامعات أو ينتقلون إلى مرحلة جديدة في حياتهم؟ ما هو الشيء الذي يجعلهم مستمرين دون توقف أو يأس؟ هل هو الشغف؟

سؤال مهم لكن دعني أولًا أبدأ بالشغف، في الحقيقة ليس كل من لديه شغف في مجال ما يستطيع أن يعمل فيه، فأنا مثلًا لم يكن لدي أي ميول أو علاقة بالحواسيب، كنتُ أعشق الرسم وأُجيده وأعتقد أنه كان من الممكن أن يكون مستقبلي حافلًا في هذا المجال، لكن حينها كان الجميع يخبرني أن الرسم لا يُطعِمُ الخبز، وأعتقد أن هذه هي الحقيقة. كانوا يخبروني بأنني إذا اتخذت طريقي نحو الرسم فبالتأكيد سأقيم معرضًا، لكن ربما تُبَاع لوحاتي وربما لا، وربما لا أستطيع الحصول على المال الذي يمنحني حياة كريمة. أما سؤالك حول ما يمكن أن يقوم به الشخص ليستمر، فأهم شيء سواء في حياتك بشكل عام أو في عالم العمل الحر بشكل خاص هو أن تتعلم وتطور نفسك، بالأخص خلال الفترة التي تنتظر فيها أن يدق العمل بابك، وأن تعلم أن الأمر يتطلب بعض الوقت والكثير من الصبر. سَمِعَ العالم بي وبدأ بطلب الأعمال مني بعد أن كنت أتعلم البرمجة على منصة كود بين (CodePen) وأصمم المواقع وأتعلم لغة الأنماط المتتالية (CSS). كنت دائمًا أطور نفسي، فأعمل على إنشاء الأكواد (Codes) وكتابة المقالات. أذكر أن أول عمل قمت به مقابل أجر مدفوع كان عن طريق موقع كود بين (CodePen) وكان لشركة أمريكية شاهدت أعمالي وعروضي على الموقع فطلبت مني أن أقوم بعمل الواجهات الأمامية لأحد المواقع التي تعمل عليه.

ما هي منصة كود بين (CodePen) بالضبط؟

عند العمل على الحاسوب ستحتاج إلى محرر نصوص (Text editor) لكتابة أكواد الجافا سكريبت (JavaScript codes) ولغة الأنماط المتتالية (CSS)، وأيضًا ستحتاج إلى متصفح (Browser)؛ لاختبار نتائج الكود (Code) الذي قمت بكتابته. في منصة كود بين (CodePen) تجد أنهم يوفرون لك كل ما ذُكٍر في واجهة واحدة، ستجد محرر النصوص لكتابة الأكواد (Codes) والمتصفح لرؤية النتائج. حقيقة نستطيع القول أن منصة كود بين (CodePen) عبارة عن مجتمع يتيح التواصل وكتابة الأكواد (Codes) لجميع المهتمين والعاملين في المجال. وفي نهاية اليوم يعمل المسؤولون عن المنصة على اختيار أفضل الأكواد (Codes) والنسخ التجريبية (Demos) والأمثلة والأعمال، وأحيانًا يتم تمييز الأعمال الجيدة ووضعها في الصفحة الرئيسية للمنصة وهذا بالتأكيد يعطيك ظهورًا وانتشارًا أكبر.

أحياناً عندما يتعلم الشخص شيئًا ما يكون بين شعورين: ثقته بنفسه والمشاركة، أو الشعور المصاحب لمن يعانون من متلازمة المحتال (Imposter syndrome)- ظاهرة نفسية تصور للشخص ضعف قدراته فيعتقد أنه لا يستحق نجاحاته وإنجازاته، مع أن النجاحات تمت بمجهوده الشخصي وقدراته- كأن يسأل نفسه: من أنا حتى أنشر؟ كيف هزمتِ هذا الشعور وتمكنتِ من المشاركة؟

ههههه، ومن أخبرك أنني تغلبت عليه؟ أعمل في هذا المجال منذ 4 سنوات وكتبت العديد من المقالات العالمية والمعروفة بمستواها العلمي الجيد، لكنني حتى الآن أشعر بخوف كبير جدًا عندما أكتب مقالة وأتوقع ردود فعل سلبية.

هل تعتقدين أن هذا الشعور بالخوف أمرٌ جيد؟

أعتقد أنه مناسب لي، أما بالنسبة للبقية فربما يكون الخوف مدمرًا لهم؛ فقد يمنعهم الخوف من ردود الفعل من نشر وإبراز أعمالهم. الخوف يحفزني دائمًا لتقديم مقالات وعمل أفضل، كما أنني أعتقد أنه لا يوجد إنسان أفضل من آخر وهذا ما أؤمن به ليس فقط في حياتي المهنية ولكن في حياتي بأكملها، فأنا ما زلت أتعلم حتى الآن. في بداية عمل كل إنسان سواء في عالم المواقع أو الإنترنت أو في أي مجال آخر تكون الخبرة محدودة، لكن مع الوقت يكتسب خبرة ومعرفة أكبر لينتقل من مستوى مبتدئ إلى خبير، وحتى الخبير لا أعتقد أنه يستطيع التوقف عند مرحلة معينة وخاصة في مجال عملنا؛ ففي كل يوم يوجد شيء جديد لنتعلمه، هناك من يملك معرفة أو مهارة بنفس مستواك وهناك من هو أقل ومن هو أعلى، فإذا لم يستفد منك من هم أعلى مستوى، فعلى الأقل سيستفيد من هم بمستواك أو أقل منك. حتمًا هناك دائما الكثير والكثير من الإيجابيات والمميزات لتقوم بنشر عملك عبر الإنترنت، فقط ما نعانيه هو صراع داخلي حول إذا ما كنا سنسمح لمتلازمة المحتال (Imposter syndrome) أن تمنعنا من نشر أعمالنا و مقالاتنا عبر الإنترنت أو أننا سنُجبر أنفسنا على النشر، ولأنني أعمل في العمل الحر أُجبر نفسي على ذلك؛ من المهم جدًا أن تستمر في النشر لتذكر الجميع أنك جاهز للعمل وإلا فلن يتذكرك الكثير من عملائك.

ألقيتِ العديد من المحاضرات في بقاع الأرض وقاراتها المختلفة، ما هي الأسباب التي أدت إلى نجاحك؟

كتابة المقالات كانت السبب، فقد أنشأت مدونة وبدأت أكتب بعض المقالات، وما زلت أذكر أول مقالة كتبتها؛ فقد كانت أكثر مقالاتي شهرة لمدة سنتين. أصبحت أتعلم الكثير لأتمكن من الكتابة والنشر أكثر على موقع كود بين (CodePen). وصلتني أول دعوة لإلقاء محاضرة في بريطانيا، بعد أن كتبت مقالة عن الأشكال (Shapes) في لغة الأنماط المتتالية (CSS)، ولم يكن هناك الكثير ممن تطرقوا لهذا الموضوع سواي وشركة أدوبي (Adobe) التي أنشأت الأشكال (Shapes) في لغة الأنماط المتتالية (CSS) ولم تقدم دروسًا كافية عنها. وعادةً ما يهتم منظمي المؤتمرات بدعوة الخبراء أو على الأقل من يملك القليل من الخبرة عن موضوع معين ليتحدث عنه ويفيد الآخرين، و كنت أملك تلك الخبرة في ذلك الوقت في مجال الأشكال (Shapes) في لغة الأنماط المتتالية (CSS). صحيح أنني لم أستطع الحصول على التأشيرة والذهاب إلى بريطانيا، ولكن ذلك منحني الشجاعة الكافية وولّد لدي رغبة الحديث في المؤتمرات. وفي الوقت الذي لم أستطع الحصول فيه على التأشيرة البريطانية، أتتني الموافقة على تأشيرة لأمريكا والتي تقدمت لها لحضور مؤتمر لغة الأنماط المتتالية (CSSconf)، ليصبح أول مؤتمر أشارك فيه في أيار 2014.

أرى أننا في السعودية نعاني من ضعف ثقتنا بقدراتنا ولا أعلم إن كان الأمر كذلك في العالم العربي أيضًا، فعادةً ما نحدّث أنفسنا ونقول: من نحن حتى نقدم أشياء يتحمس لها الأجانب (الخواجات) ويعجبون بها؟ كما أننا لا نتصور أن بإمكاننا إضافة أشياء جديدة في مجال معين، لكن كما ذكرتِ آنفة أنكِ الوحيدة التي كتبت عن موضوع الأشكال (Shapes) في لغة الأنماط المتتالية (CSS) وقدمت شيئًا جديدًا في هذا المجال، وهذا سيغير معتقداتنا وتصوراتنا بأننا نستطيع أن نضيف أشياء جديدة أو أن نتخصص في مجالات جديدة.

أتفق معك في بعض ما قلت، لكن ليس من الضروري أن تكون الوحيد الذي يكتب في موضوع معين كي تُبرِزَ نفسك، فهناك مواضيع كالشبكة (Grid) في لغة الأنماط المتتالية (CSS)، والرسوميات المتجهية متغيرة الحجم (SVG) وغيرها الكثير ممّا بدأ الناس في الحديث عنه. ودعني أضرب لك مثالًا على الشبكة (Grid) في لغة الأنماط المتتالية (CSS)، فقد كان هناك الكثير ممّن كتبوا عنها مثل جين سيمنز (Jen Simmons) أو رايتشل اندرو (Rachel Andrew)، وبدأت أفكر لفترة معينة أنه طالما هناك الكثير ممن كتبوا المقالات وقدموا المحاضرات فماذا يمكنني أن أضيف إلى هذا الموضوع؟ اكتشفت أخيرًا أن هذا غير صحيح، فلكل منا وجهة نظره الخاصة به، والطريقة التي أشرح بها بعض الموضوعات وأكتب بها المقالات تختلف عن الطريقة التي تشرح بها جين سيمنز (Jen Simmons) أو رايتشل اندرو (Rachel Andrew)، هناك من يستفيد من أسلوب جين سيمنز (Jen Simmons) وهناك من يحب أسلوبي أنا أكثر. في كل الأحوال هناك فئة من الناس سوف تستفيد منك بغض النظر عمّن تكون أو كيف هو أسلوبك أو مستوى خبراتك. عالمنا شاسع جدًا، لكن حينما ننظر إلى تلك الشاشة الصغيرة لا نشعر بمدى اتساعه وننسى أن هناك فئات كثيرة وتنوع أكثر ومستويات ثقافية ومعرفية مختلفة. نحن العرب لسنا ضعفاء، فأكثر من ثلاثة أرباع العلوم والكثير من الاختراعات المهمة نحن من صدّرناها للعالم ويجب أن لا نستهين بأنفسنا.

ماذا كنتِ تهدفين عندما كنتِ تكتبين المقالات آنذاك؟ هل إلى تعلُّم المجال بشكل أفضل؟ أو من أجل جذب الأضواء؟

كنت أهدف لأن أتعلم، لكن ما كان يحدث أن كتابة المقالة تأتي نتيجة للتعلُّم وليس العكس. دعني أبسط لك الأمر قليلًا، أقوم حاليًا بتعلُّم موضوع جديد ولنفترض أنني أريد تقديم محاضرة عنه، أثناء فترة تعلُّمي أكتب العديد من الملاحظات وخاصة إذا كان الموضوع كبيرًا ومتشعبًا كي لا أنساها، مثل رحلة تعلُّمي عن الأشكال (Shapes) في لغة الأنماط المتتالية (CSS) والتي كانت سببًا لأول دعوة لي . كنت حينها اقرأ الكثير وأتواصل مع موظفين في شركة أدوبي (Adobe) وألقي عليهم الكثير من الاستفسارات والأسئلة؛ لأتعلم كيفية استخدام الأشكال (Shapes) في لغة الأنماط المتتالية (CSS)، وكتبت العديد من الملاحظات حول هذا الموضوع وأصبحت الملاحظات كثيرة جدًا مع مرور الوقت، فحدثت نفسي حينها أنني لو قمت ببعض التعديلات والتنسيق فستصبح مقالة، وهكذا بدأت حكايتي مع المقالات وأصبحت عادتي التي أتبعها، بأن أبدأ بتعلُّم موضوع جديد، وأكتب الملاحظات إلى أن أصل إلى مرحلة استوعب فيها كل الموضوع ويصبح الوقت مناسبًا لأن أوثق الشيء الجديد الذي تعلمته وأقوم بنشره عبر الإنترنت عِوضًا عن الاحتفاظ به لنفسي. لكن بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات من عملي الحر كمستقلة، كانت تجتاحني أحيانا رغبة بعدم الكتابة، ومع ذلك كنت أجبر نفسي على الكتابة، فمن الجيد أن تستمر في الكتابة بين فترة وأخرى؛ كي تبرز نفسك وأعمالك كما ذكرت سابقًا. وما يشجع في الأمر أن الكتابة هي جزء من التعلُّم فأنا لا أستغرق الكثير من الوقت لأفكر عن ماذا سأكتب، وإنما أكتب عمّا أتعلمه حاليًا وهذا ما يفيدني ويفيد الكثيرين غيري.

هل تستمتعين وأنتِ تكتبين أم أنك تشعرين بالملل والهم؟

أستمتع كثيرًا وخاصةً عندما يكون لدي الكثير من الملاحظات حول الموضوع الذي سأكتب عنه. فأنا لا أحب أن أكتب من الصفر ولا أستمتع بذلك. فمثلًا بالرغم من أن موضوع الشبكة (Grid) في لغة الأنماط المتتالية (CSS) رائع، إلا أنني لم أكتب كثيراً عنه؛ لأنني ببساطة لا أشعر بالرغبة في الكتابة عن هذا الموضوع. لكن عندما يكون لدي رغبة قوية وشغف فإنني أستمتع بالكتابة وأقدم مقالات رائعة. والذي يساعد على نجاح المقالة هو الوسائل والأدوات التي استخدمها، فأنا حاليًا استخدم منصة هيوجو (Hugo) وهي موقع لإنشاء المواقع الثابتة (Static site generators). استخدمتُ سابقًا منصة جيكل (Jekyll) وكانت جدًا بطيئة وآلية عملها مملة ومتعبة، لكن عندما استخدمت منصة هيوجو (Hugo) أصبح الأمر أكثر متعة.

في العادة عندما يكتب التقنيون مقالة معينة يكون لديهم الكثير من الملاحظات والأكواد (Codes) التي حصلوا عليها خلال رحلة قراءتهم وبحثهم من مواقع مختلفة. كم تستغرقين من الوقت لتنسيق وتنقيح الملاحظات لتحويلها إلى مقالة؟

يعتمد ذلك على كمية الملاحظات التي لدي، فأحيانًا تكون الملاحظات التي كتبتها شاملة ومفصلة؛ لذا لا تحتاج إلى الكثير من الوقت، فالأمر مُقتصر فقط على جمعها والتأكد من تسلسلها وترابط الأفكار. ولكن عندما تكون الملاحظات قصيرة ومجرد خطوط وعناوين عريضة؛ فهنا أحتاج أن أتوسع بكل فكرة أو عنوان وممكن أن تستغرق المقالة أسبوعًا أو أسبوعين بناءً على عدد ساعات العمل اليومي، وأحياناً لا تستغرق سوى يوم أو يومين. فكلما أردت التوسع في أفكار المقالة كلما تطلب ذلك المزيد من الوقت.

هل تحددين ساعة معينة للكتابة في اليوم أو عدد محدد من المقالات لنشرها شهرياً؟ أم أنك تتركين ذلك للظروف والأقدار؟

أدعها للظروف والأقدار، فأنا متقلبة المزاج جدًا، و(الكتابة فن) كما تعرف؛ لذا لا أستطيع إجبار نفسي على الكتابة أو العمل في وقت محدد. في الحقيقة أنا معتادة على تأجيل العمل حتى آخر الساعات وحينها تنفجر كل طاقتي لإنجازه، وأحد أهدافي للعام القادم 2018 أن أتمكن من الإلتزام بساعات العمل؛ فأنا أهدف إلى كتابة مقالتين شهريًا، لكنني لست متفائلة كثيرًا إذا ما كنت أستطيع تحقيق هذا الهدف.

نعيش الآن في أواخر 2017 وعادة في هذا الوقت نحدد قائمة بالأهداف التي نُخطط لتنفيذها في 2018، صحيح؟

صحيح لكن للأسف هذا لا يجدي نفعًا معي. لدي حاليًا مقالتين جاهزتين للنشر لكن نحن الآن في نهاية العام والجميع في إجازة؛ لذا فأنا أنتظر انتهاء الجميع من إجازتهم ليكون الوقت مناسبًا للنشر. في الحقيقة عندما أكتب مقالة ولا أنشرها مباشرة أو أتأخر في نشرها أشعر بالقلق والتوتر؛ لذا أحاول أن أشغل نفسي بالعمل على موقعي الإلكتروني، فقد كنت أرغب منذ عدة أشهر بإضافة قسم جديد للموقع باسم أسألني أي شيء (Ask me anything)، وهذا ما قمت به لأبتعد قليلاً عن القلق والتوتر، وسأعلن عنه غدًا بشكل رسمي. سيصبح بإمكان الجميع الدخول إلى الموقع وإرسال الاستفسارات عبر نموذج (Form)، وسأعمل على الرد عليها، وإن رأيت أن هناك استفسارات يستفيد منها الآخرون؛ فسوف أقوم بنشرها على الموقع.

ما هو موقفك من الكتابة بالعربية؟ هل خطر لك أن تكتبِ باللغة العربية؟

لغتي العربية قوية، وعندما أشاهد من يتحدثون اللغة العربية الفصحى على التلفاز اكتشف بعض الأخطاء في الإعراب والحركات وأصحح ذلك. حقيقة أتمنى أن أكتب باللغة العربية، لكن في عالم التقنية لا أعرف معنى المصطلحات باللغة العربية، فقد درست في مدارس إنجليزية، وحتى في الجامعة درست أيضًا باللغة الإنجليزية، وكل المصطلحات التي أعرفها عن تطوير المواقع (Web development) هي بالإنجليزية ولا أعرف معانيها بالعربية. أتمنى لو تحتوي مدونتي على المقالات باللغة العربية والإنجليزية ولكنني لا أستطيع ذلك.

لاحظت أن لديكِ طريقة مميزة في افتتاح محاضراتك، فعادةً عندما يذهب أحدنا إلى أوروبا أو أمريكا للحديث عن أمرٍ ما يشعر بالخوف ويخوض في صلب الموضوع مباشرة، لكنك مختلفة تمامًا، فأنتِ تبدأين محاضراتك بكيفية نطق اسمك بطريقة صحيحة وبلهجة مكسورة، وإبلاغ الحضور أنكِ لا تصافحين باليد! كيف تغلبتي على هذا وعلى شعور أنك لست منتمية لهذا الوسط؟ فأنتِ تقولين ما تريدين وتفعلين ما تشائين.

لا أستطيع القول أنني تغلبت على ذلك، ما تراه وما تسمعه مني وأنا واقفة على المسرح هو ما أتحدث به خارج المسرح وفي حياتي اليومية، فأنا أتكلم مباشرة بكل ما يدور في داخلي هذه هي طبيعتي. والأمر أسهل من ذلك، فبدلاً من أن أتحدث مع شخص أنا هنا أتحدث مع 500 شخص، وأُخبرهم أنهم إذا أرادوا الحديث معي أو أحبوا معرفة كيفية نطق اسمي فإنه ينطق بهذه الطريقة. السنوات الثمان الأولى من عمري عشتها في ألمانيا ولذلك فإن الطريقة التي تكتب بها اسم عائلتي (سويدان) في ألمانيا هي ما كبرت وتربيت عليه؛ ولذات السبب أيضًا أنطق اسم عائلتي باللكنة الألمانية وليس بالإنجليزية. فإن كنت تريد كتابة سويدان باللغة الإنجليزية فهي (Swaydan) وليس (Soudan). وعندما ينظرون إلى اسم عائلتي (Soudan) يجدون صعوبة في نطقها؛ لذا أُسئل في معظم المؤتمرات عن اسمي قبل أن أتوجه لإلقاء محاضرة. كما أنني أطلب من منظمي المؤتمر ومن يقوم بتعريف الجمهور بي أن يبلغهم أني لا أصافح الرجال، وتحدث مواقف محرجة كثيرًا فقد يشعر شاب أنه أخطأ إذا اقترب مني ومد يده فأعتذر منه وهو في الحقيقة لم يخطئ، كما أنني أشعر بإحراج لأنني لا أرغب أن يشعر بأنني أتحاشاه أو لا أطيقه؛ لذا من الأفضل أن يكون الجمهور على علم بما أحب وما لا أحب، وأنني أتيت من مجتمع وثقافة غير مجتمعهم وثقافتهم. من جهة أخرى، أحرص كثيرًا على أن يتم التوضيح بطريقة عفوية وطريفة؛ فأنا لا أريد أن يشعروا أن المصافحة قد تكون حاجزًا بيني وبينهم، فمثلًا أذكر في أحد المؤتمرات أن كريشان هايلمن (Krishan Heilmen) أخبرهم بطريقة رائعة وعفوية أن من أراد أن يسلم على سارة فليذهب إليه ليسلم عليه، وأن من لديه نقص عاطفي ويريد أن يحضن شخصًا ما فليذهب إلى ريفانجو (Revango).

هههه، جميل! لكن بما أنك تعملين في وسط تقني و تتواجدين في الكثير من المؤتمرات و تقابلين العديد من الأشخاص التقنيين، ما هي التحديات التي تواجهينها كامرأة مسلمة محجبة في الأوساط التقنية؟

في بداية مشواري المهني لم أجد أي معاملة عنصرية ولم أشعر بالدونية أو بالتقليل من شخصي. ربما يكون هناك من حاول فعل ذلك بي لكنني أعيش على قاعدة (لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك إلا خيرًا وأنت تجد لها في الخير محملًا)؛ لذلك في كثير من الأوقات لا أنظر لما يقال لي بنظرة سلبية سواء في المجتمع التقني أو حتى في حياتي الشخصية؛ وقد يكون هذا أحد الأسباب التي ساعدتني في عدم الشعور بأي تقليل من شأني. أما التحديات فالحمد لله لم أواجه أي تحدي، لكن ردود الفعل المندهشة عادة ما تكون قوية و يخبرني الكثير أنهم لم يتوقعوا ذلك! التقيت بأحد الإيطاليين منذ سنوات وأخبرني أنه لم يتصور في حياته أن يجد مسلمة محجبة تعمل في هذا المجال، فالكثير لديهم فكرة عن المرأة العربية المسلمة بأنها تبقى في المنزل وتربي الأولاد فقط وربما تتعرض للعنف الأسري. وسألني بعض الشباب في ألمانيا عمّا إذا كنت أعتبر نفسي سفيرة للمرأة العربية المسلمة في المجتمع التقني؟ وأخبروني بأن العالم يروني كذلك! حقيقة أعتبر ذلك نعمة من الله وفي نفس الوقت مسؤولية كبيرة فأنا لا أعتبر نفسي ممثلة عن النساء؛ وهناك من هنّ أفضل مني إيمانًا وحجابًا، لكنني أتمنى أن أقدم صورة إيجابية عن المرأة العربية المسلمة. الحمد لله فكل شيء يسير على ما يرام حتى الآن ولا توجد أي تحديات أو سلبيات.

صراحة أنا لا ألومهم على اندهاشهم لأنني كنت مندهشًا أيضًا؛ فلم يشكل كونك امرأة محجبة أي عائق واستطعتِ الوصول إلى هذه الأماكن!

ولمَ لا؟! لقد تربيت في مجتمع وعائلة لم يشعروني أبدًا أنني لا أستطيع عمل هذا لأنني فتاة. صحيح أنني فكرت في الماضي أن أتخصص في مجال الغالبية العظمى فيه من الرجال، وكان أبي معترضًا على ذلك فقد رأى أنه غير مناسب لي، لكن في مجال التكنولوجيا لم يشعرني أنني كفتاة أو محجبة لا أستطيع فعل ذلك، ولماذا لا أستطيع العمل وأنا محجبة؟ في الحقيقة نحن من بنى معظم الحواجز لأنفسنا وليس الأجانب، صحيح أن هناك بعض المتعصبين من الأجانب وبعض الكره، ولكن هناك الكثير من هم عكس ذلك، ونحن لدينا القدرة على تغيير نظرة العالم إلينا وأن نريهم حقيقتنا لا المعتقدات المزيفة عنا. أذكر أني كنت مسافرة، وكان في المقعد الذي بجانبي امرأة أمريكية كبيرة في السن وطبيعتي الإجتماعية شدتني للحديث معها. انصدمت الأمريكية جدًا وأخبرتني أنها كانت لديها فكرة خاطئة عنا ولم تتصور أن المسلمة المحجبة تسافر وتعمل بشكل طبيعي، كنت محرجة بعض الشيء؛ فما زال هناك بعض الجهل في المنطقة العربية، لكن الحمد لله في آخر رحلتنا حضنتني ودعتني إلى منزلها في لوس أنجلوس وأبدت رغبتها في أن أتعرف على أبنائها. نحن نستطيع أن نضع بصمتنا وأن نصنع الفارق بأيدينا، لننظر إلى العائلة الملكية في بريطانيا مثلًا، لباسهم يعتبر جدًا محتشم بالنسبة للأجانب، والحجاب هو أيضًا مجرد قطعة ثياب أضعها على رأسي ويمكنك أن تعتبرها ستايل (Style)، وبالطبع هناك تأثير للحجاب على تصرفاتي مثل عدم قدرتي على مصافحة الرجال، فعندما تقرر المرأة ارتداءه يجب عليها أن تحترم الحجاب وتتصرف بطريقة تناسب ذلك وأن تكون على قدر المسؤولية، لكنه بالطبع لن يؤثر أبدًا على تعليمها أو الوقوف على المنصات في المؤتمرات أو حتى أن تُعلِّم غيرها. سواء كنت أرتدي الحجاب أم لا فعقولنا واحدة والعلم الذي لديّ لن يتغير وأسلوبي كذلك، وبعكس ما يتصوره البعض فالحجاب يجعل من أسلوب حديثي أفضل ولا يجعلني أقبل أي حديث غير لائق. الحجاب يجعل من الفتاة أميرة ويشعرها أنها من العائلة الملكية ويعطيها رُقيًا وقيمة حقيقية ولذا من المفترض أن لا تشعر بالنقص بسببه.

سارة أنتِ تسكنين في صور، وعملاؤك من دول مختلفة، وتتحدثين في أهم المؤتمرات والمنتديات العالمية، ولك اسمك المعروف في الوسط التقني. أرى أن قصتك يجب أن يقرأها كل من يلقي باللوم على عدم توفر الأدوات المناسبة أو ثقافة المجتمع... إلخ من المبررات.

لتستطيع القيام بما أقوم به فأنت بحاجة إلى حاسوب وانترنت فقط كأدوات خارجية، وأن تكون لديك شخصية إيجابية وإرادة، فسلاحك هو ما تفكر وما تشعر به، ولا يمكن لأحد أن يتحكم فيه أو يأخذه منك.

إذًا سارة أصبحتِ تملكين اسمًا في مجال لغة الأنماط المتتالية (CSS)، وتملكين متابعين من بلدان و أديان وأفكار مختلفة. أذكر في فترة سابقة حدث جدل حول القدس وأنها ستصبح عاصمة إسرائيل، هل شعرتِ بالحرج من التطرق لهذه القضية؟ أذكر أنك نشرتِ حينها أن القدس عاصمة فلسطين، صحيح؟

صحيح كتبت ذلك.

كان هناك ردود فعل كثيرة حول ما كتبتيه عن القدس. هل فكرت سارة أن ما كتبته ربما يؤدي إلى غضب البعض أو تشويه صورتها في المجتمع التقني؟ ما هي وجهة نظرك حول هذا الموضوع؟

في الماضي كنت أؤمن بمنطق أنني أعمل في مجال تقني ولذا يجب أن أكتب عن التقنية وأنه يجب إرضاء الجميع قدر الإمكان. الأمر يتعلق بهدفك، فإذا كنت تهدف إلى جمع المتابعين؛ فيجب أن ترضيهم وأن لا تتحدث فيما قد يثير حفيظتهم. لكن أنا على قناعة تامة الآن أنه لا يمكن إرضاء الجميع مهما فعلت، سواء في حياتي أو حتى على الإنترنت، فإذا أرضيت شخصًا فهناك شخص معارض له بالرأي سيغضب وهكذا. الجميل في الناس أنهم يختلفون في كل شيء سواء في الطِباع أو الآراء أو العقل أو المنطق... إلخ، وبما أن الإحترام موجود بيننا فسيبقى الاختلاف شيئًا رائعًا. والأمر الآخر هو أنني أرغب بأن تكون صورتي على الإنترنت معبرة عني وليست صورة من صنع الأجانب، لا أريد أن يحدد الأجانب ما سأتحدث عنه. الناس يجب أن يكون لديها وعي كافِ، صحيح أنني أعمل كمحترفة في هذا المجال لكنني إنسان لديه وجهات نظر وهوايات وآراء خاصة ولا يعني وجود عملاء ومتابعين لي من دول وأفكار وأديان مختلفة أنني يجب أن أدفن معتقداتي وآرائي أو أن أخفيها على الأقل. هناك من سيقول أن القدس عاصمة فلسطين وستظل عاصمتها وهناك من سيقول أن القدس عاصمة إسرائيل وستظل كذلك وهناك من يقترح أن نقسمها وهناك وجهات نظر وآراء كثيرة مختلفة، فمن الطبيعي جدًا أن تختلف الآراء ووجهات النظر. عندما تحدثتُ عن القدس علق أحدهم على ما كتبته وقال أنه يحترم عملي كثيرًا لكنه يعتبر القدس عاصمة إسرائيل، لم أرد عليه لأنني أبديت رأيي وهو من حقه كذلك أن يقول رأيه، وفي نهاية الأمر نحن بشر ونتحدث عبر منصة مثل منصة تويتر (Twitter) لذا من حق الجميع أن يبدي رأيه؛ فلماذا إذن أخاف من تشويه صورتي طالما أنني لم أقل شيئًا خاطئًا؟

من الرائع أن لا ننسى معتقداتنا وما نؤمن به، وأن لا نقدم مصلحة العمل فوق كل شيء، في الحقيقة لا يعتبر هذا بالأمر الهيّن.

في الماضي كنت أؤمن بمنطق أنني أعمل في مجال تقني ولذا يجب أن أكتب عن التقنية وأنه يجب إرضاء الجميع قدر الإمكان. الأمر يتعلق بهدفك، فإذا كنت تهدف إلى جمع المتابعين؛ فيجب أن ترضيهم وأن لا تتحدث فيما قد يثير حفيظتهم. لكن أنا على قناعة تامة الآن أنه لا يمكن إرضاء الجميع مهما فعلت، سواء في حياتي أو حتى على الإنترنت، فإذا أرضيت شخص فهناك شخص معارض له بالرأي سيغضب وهكذا. الجميل في الناس أنهم يختلفون في كل شيء سواء في الطِباع أو الآراء أو العقل أو المنطق... إلخ، وبما أن الإحترام موجود بيننا فسيبقى الاختلاف شيئًا رائعًا. والأمر الآخر هو أنني أرغب بأن تكون صورتي على الإنترنت معبرة عني وليست صورة من صنع الأجانب، لا أريد أن يحدد الأجانب ما سأتحدث عنه. الناس يجب أن يكون لديها وعي كافِ، صحيح أنني أعمل كمحترفة في هذا المجال لكنني إنسان لديه وجهات نظر وهوايات وآراء خاصة ولا يعني وجود عملاء ومتابعين لي من دول وأفكار وأديان مختلفة أنني يجب أن أدفن معتقداتي وآرائي أو أن أخفيها على الأقل. هناك من سيقول أن القدس عاصمة فلسطين وستظل عاصمتها وهناك من سيقول أن القدس عاصمة إسرائيل وستظل كذلك وهناك من يقترح أن نقسمها وهناك وجهات نظر وآراء كثيرة مختلفة، فمن الطبيعي جدًا أن تختلف الآراء ووجهات النظر. عندما تحدثت عن القدس علق أحدهم على ما كتبته وقال أنه يحترم عملي كثيرًا لكنه يعتبر القدس عاصمة إسرائيل، لم أرد عليه لأنني أبديت رأيي وهو من حقه كذلك أن يقول رأيه، وفي نهاية الأمر نحن بشر ونتحدث عبر منصة مثل منصة تويتر (Twitter) لذا من حق الجميع أن يبدي رأيه؛ فلماذا إذن أخاف من تشويه صورتي طالما أنني لم أقل شيئًا خاطئًا؟

من الرائع أن لا ننسى معتقداتنا وما نؤمن به، وأن لا نقدم مصلحة العمل فوق كل شيء، في الحقيقة لا يعتبر هذا بالأمر الهيّن.

لقد تعلمت في السنوات الأخيرة عندما أصبح لديّ الكثير من المتابعين بأننا عندما ندعم تغريدة لمثل هذه المواضيع فهو أمرٌ جيد، واعتبر ذلك مثل المنقي (Filter)؛ فالناس المتعصبة تلغي متابعتي، وهذا ما اعتبره مكسبًا لأن من يستمر في متابعتي ولا يلقي بالًا لذلك و يتقبلني كما أنا هم الأشخاص الذين أحب العمل والتواصل معهم و أرغب ببقائهم في مجتمعي. فإذا كان هناك من يكرهني ويرفض التعامل معي من أجل رأي قلته فليعذرني على ذلك ولكن هناك مئة زبون (عميل) غيره. من وقت لآخر أحب تذكير الناس بمن أنا، ففي النهاية أنا إنسان ولست إنسان آلي (Robot) يكتب وينشر تغريدات عن الجافا سكريبت (JavaScript) ولغة الأنماط المتتالية (CSS) فقط، يجب عليهم أن يتقبلوني كما أنا وإذا كان هناك من لا يتقبل ذلك فأنا لا أتضايق منه ولا أكرهه، فمثلما أقوم بإلغاء المتابعة لأشخاص يقومون بالتغريد بأشياء لا تروق لي، لهم الحق بفعل ذلك. وهذا لا يعني أنني لا أحبهم أو أكرههم فهناك من قمت بإلغاء متابعتهم في تويتر (Twitter) بسبب تغريداتهم لكن حينما ألتقيهم في الواقع نسلم على بعضنا ونتحدث عن لغة الأنماط المتتالية (CSS) وهذا شيء طبيعي جدًا.

ما هي رسالتك للناس في لبنان والسعودية و في أرجاء الوطن العربي؟

قبل كل شيء التوفيق هو من الله سبحانه وتعالى، وأول رسالة هو أنني لست مغرورة أبدًا لكنني أملك ثقة كبيرة بنفسي طالما أنني لا أرتكب أي خطأ. أثق بأنه لا يوجد أحد أفضل من الآخر وأن الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى، وأن الاختلاف حياة. عندما تؤمن بكل هذا ستصبح الحياة أسهل و ستبتعد عن الحزن من أتفه الأسباب والبحث عن إرضاء الغير، وتسعى لتحسين نفسك من أجل نفسك وهذا شيء مهم في مجال عملنا. أما رسالتي الثانية فهي أنه بإمكانك الوصول إلى آخر الدنيا عبر الإنترنت. أجمل ما يميز الإنترنت أن بإمكانك أن تفتح مشروعك الخاص أو مكتبك دون أن تدفع أي مبلغ سوى اشتراك الإنترنت وشراء موقع إلكتروني خاص بك وأن تحجز عنوان الويب (URL) بما يقارب 8 دولارات في السنة ومن ثم تنطلق لإثبات وجودك. لذا أهم نصيحة أقدمها لمن يريد دخول هذا المجال هو أن ينشئ موقعًا لنفسه ويكتب مقالات حتى وإن كان عدد القرّاء قليل ولا يتعدى شخصًا واحدًا. كريس كوبير (Chris Coyier)، الذي أسس أفضل المواقع كريس كوبير (ChrisCoyier)، قال في حديث له أنه في بداية كتابة مقالاته لم يكن هناك من يقرأ له لكنه استمر في الكتابة. الشهرة لن تأتي بين يوم وليلة وإنما تحتاج إلى مثابرة وصبر، لذلك أنشئوا موقعكم الخاص بكم وانشروا أعمالكم واستخدموا مواقع مثل كود بين (CodePen) وتعلموا من غيركم، لا تشعروا أبداً أنكم أقل من غيركم، عالمنا واسع جدًا وهناك فرصة لكل شخص، أنت فقط بحاجة إلى أن تضع الله أمام عينيك وتتوكل عليه وتثابر وتستثمر عقلك وتستمر في المحاولة وأن لا تدع أي شيء يمنعك من مواصلة طريقك نحو النجاح فنحن جميعًا متساوون.

مواضيع رائعة ومفيدة جدًا قضيتها بصحبتك، شكرا جزيلًا سارة.

شكرًا لك.