عندما تبدأ رحلة الإنسان في البحث عن مصدر للدَخْل، فإنّه يتوجه إلى الأسلوب التقليديّ في العمل مثل الوظيفة المكتبية في شركة ما. لكننا شَهِدنا في الآونة الأخيرة التوجه الجارف للعمل عن بعد. وكان لـ (شركة حسّوب) السبق في إدخال هذا المفهوم إلى العالم العربي؛ لذا أجرينا الحوار التالي مع المؤسس والمدير التنفيذي لشركة حسّوب الأستاذ عبد المهيمن الآغا.
عبد المهيمن الآغا، سوريّ الجنسية، انتقلت للدراسة في بريطانيا منذ 7 سنوات، ومع انطلاقة العام الدراسي بدأتُ العمل في مجال أمن المعلومات والاختراق، وهو مجال خبرتي آنذاك. ثم انتقلت للعمل بشكل أساسي في البرمجة وريادة الأعمال، إلى أن وصلت إلى تأسيس شركة حسّوب.
شركة حسّوب هي مبادرة لتطوير العالم العربي، وجاءتني فكرتها عندما كنت في الجامعة في إحدى المحاضرات وكنت أفكر حينها في محركات البحث العالمية: جوجل (Google) في أمريكا، بيدو (Baidu) في الصين، ياندكس (Yandex) في روسيا، وشعرت أننا بحاجة إلى محرك بحث خاص بالمنطقة العربية، فكان من المفترض أن يكون حسّوب هو محرك البحث المنشود، لكن بعد دراسة الموضوع أكثر، وجدت أن لا أحد يمكنه إنشاء محرك بحث دون عمل أرشفة مواقع الإنترنت عبره وتسويقه بشكل مدفوع، بعبارة أخرى، لا يمكن إنشاء محرك بحث جديد دون أن يكون لديك مصدر دخل يدعمه. فقمنا بالتخلي عن فكرة محرك البحث؛ لنجعل من حسّوب شبكة إعلانات، وحمل منتجنا الأول اسم (إعلانات حسّوب)، واُعتُبِرَ الخطوة الأولى لإطلاق منتجات أخرى.
و يعود سبب اختيارنا لفكرة شبكة الإعلانات كبداية إلى شعورنا بوجود أزمة في مسألة تحقيق الدخل من المدونات والمواقع بشكل عام؛ لذا فكرنا في أننا لو ساهمنا في حل هذه الأزمة بالنسبة لصناع المحتوى العرب من خلال مساعدتهم على تحقيق دخل أعلى من مواقعهم، فسوف يشجعهم ذلك على صناعة محتوى متخصص أكثر، وزيادة المحتوى بشكل عام ستحفز أشخاص آخرين لبناء شركات و منتجات أكثر، و كانت تلك هي خطتنا لعام 2011.
(دعنا ننطلق ونرى إلى أين سنصل)، هذا هو المبدأ الذي استخدمته؛ فقد بدأتُ تأسيس الشركة في بداية المرحلة الجامعية بإمكانيات محدودة جدًا و دون وجود خطة واضحة، و لأن المنهج الذي قدمَته الجامعة كان أبسط مما توقعت؛ فقد كان لديّ وقت فراغ كبير بعض الشيء استثمرته في تسخير إمكانياتي كمبرمج في العمل. وبالفعل بدأت ببرمجة الموقع وخدماته وأمور أخرى، إلى أن وجدت -بعد بضعة أشهر- أن العمل يحتاج لأكثر من شخص، وهنا كان الانتقال من مرحلة العمل الفردي إلى مرحلة العمل الجماعي. كانت البداية متواضعة مع شخصين هما: عمر خرسه، ومختار الجندي. كان العمل يتمّ عن طريق الإنترنت حيث يرسل أحدهما رسالة بالفكرة عبر البريد الإلكتروني لأعمل عليها، ثم توسعنا وانضم إلينا أشخاص آخرون مع بقائنا على الآلية ذاتها. كنا شبابًا في بداية طريقهم المهني، ولم نكن نعلم ما إذا كانت الفكرة ستثمر في النهاية أم لا، إنما سِرنا على مبدأ: لنجرب ونرى.
في البداية لم يكن الجميع متفرغًا لها، خاصةً و أننا ما زلنا في البدايات؛ لذا لم تكن هناك حاجة ملّحة للتفرغ. أمّا بالنسبة لي فقد قسمت وقتي بين الدراسة وعملي كمستقل في مجالات أمن المعلومات و اختبارات الاختراق وغيرها، في ذات الوقت الذي أتابع فيه العمل على مشروع حسّوب مع باقي أفراد الفريق الذين كانوا أيضًا ملتزمين بعملٍ آخر في نفس الوقت. لكن ما إن بدأت بوادر النجاح في الظهور؛ حتى بدأنا بالتركيز على حسّوب أكثر و خصصنا للشركة وقتًا أكبر.
يمكننا القول أنها مزيج بين الأمرين، من جهة كنت في بلد غربي (إنجلترا)، في حين أن السوق المستهدف هو السوق العربي، مما يعني حاجتنا إلى أشخاص عرب موجودين في السوق ليكونوا ضمن الفريق، ومن جهة أخرى بعد أن جرّبنا العمل عن بعد وبعد الاطلاع على تجارب شركات أخرى؛ وجدنا أنها آلية ممتازة للعمل، لا يخلو الأمر من السلبيات بالطبع، لكن بالمقارنة مع آليات العمل التقليدي ومشاكله كمشكلة التنقل من وإلى العمل؛ فالعمل عن بعد أفضل بكثير.
سؤال جيد. في الواقع، كنت قد اختبرت تجربة العمل التقليدي في أكثر من شركة ولفترات قصيرة، ووجدت أنها لا تتوافق مع نمط عملي كمسؤول أمن معلومات مستقل، فقد كنت أعمل على أغلب المشاريع ليلًا؛ إما بهدف استغلال انتهاء الدوام الرسمي داخل المؤسسة صاحبة المشروع، أو لأن العمل ليلًا أكثر هدوءًا. ومع انطلاقة حسّوب، واصلت العمل بنفس الطريقة حيث وجدت أنها طريقة ممتازة ولا حاجة لتغييرها، خاصةً مع ذكر البعض لمشاكلهم في التعامل مع سياسات الشركات التقليدية أو شكواهم من ضياع ساعة أو أكثر في التنقلات، وهو ما لا نعاني منه بفضل الله في عملنا عن بعد.
دعنا نكن صريحين، حين يقضي الشخص 15 سنة من مسيرته المهنية ضمن مكتب أو ضمن بيئة عمل تقليدية؛ سيكون من الصعب إقناعه بالعمل عن بعد، فتغير الطباع والعادات ليس بالأمر السهل. ولكن يمكن شرح أن لكل بيئة عمل سيئات وإيجابيات، فعلى سبيل المثال: حين أتحدث مع رواد أعمال أو أشخاص عاديين عن طبيعة العمل في حسّوب وكيف أن موظفينا موزعون في أرجاء عالمنا العربي، يبدأ البعض بالسؤال عن آلية تنظيم العمل، وعن طريقتنا في التأكد من أن الموظف يعمل بالفعل، إضافة إلى العديد من الأسئلة، وهي أسئلة طبيعية من أشخاص لا يرون بيئة للعمل سوى المكتب. لكن في الآونة الأخيرة، بدأت الأمور تتغير نحو الأفضل، وخاصةً بعد مشاركتنا لتجربتنا وكتابتنا عنها، وأعتقد أن العمل عن بعد هو المستقبل. و دعني أؤكد على نقطة مهمة، وهي أن العمل الحرّ لا يصلح لأي شخص بالضرورة، فلا بدّ على الراغبين بدخول مجال العمل الحرّ أن يتحلوا بمهارات معينة كالقدرة على التواصل بشكل فعال وواضح، إضافة إلى وجود نوع من الالتزام الذاتي. بعض تلك المهارات مكتسب والبعض الآخر لا بدّ من تعلمه، دون أن ننسى أن البعض لا يمكنه العمل إلا ضمن مكتب، في النهاية هذا عائد لطباع الشخص وطبيعة العمل ذاته.
لِمَ لا يتم قياس العمل بالإنتاجية عوضًا عن قياسه بموعديّ القدوم والانصراف؟ وإن كان الموظف الذي يعمل 6-8 ساعات يقدّم للشركة أكثر مما يقدمّه زميله الذي يعمل 8-10 ساعات يوميًا، فما أهمية عدد ساعات الدوام؟ يتميز الأشخاص ذوي الإنتاجية العالية بقدرتهم على إنجاز العمل خلال يومين، في حين أن غيرهم يحتاجون أسبوعًا لإنجاز ذات العمل. وقد صادفت أمثال هؤلاء بالفعل، ولاحظت أن ما يهتمون به فعليًا هو الإنتاجية، سواء أكانوا يعملون لصالح شركة ناشئة تتّبع نظام العمل عن بعد أو لصالح شركة كبيرة ترغب في اختبار هذا الأسلوب في قياس العمل. شخصيًا، أفضّل أسلوب قياس العمل بالإنتاجية، أو بالمشروع إن كان صغيرًا، أو بمراحله إن كان كبيرًا، لذا أعمد إلى سؤال الموظف لديّ عمّا أنجزه خلال الأسبوع الماضي، بل وكثيرًا ما لا أضطر لسؤاله؛ نظرًا لأنني أتابع عمله من خلال أداة إدارة المشاريع التي تسهّل متابعة المشروع أثناء العمل عليه. حين نعتمد هذا الأسلوب؛ لن تكون عدد ساعات العمل هاجسًا. طبعًا نحن لا ننكر أن تحديد ساعات العمل أمر مهم لإنجاح العمل عن بعد، ليس لارتباط ساعات العمل بالإنتاجية، بل لأن تحديد ساعات العمل يساهم في الفصل بين الحياة العملية والحياة الشخصية وهو ما يمنح العمل ثباتًا أكثر. أمرٌ آخر، لنفترض أنني مدير لشركة قائمة على 500 موظف، وهي شركة تعمل ضمن إطار بيئة العمل التقليدية، سيُعدّ الانتقال للعمل عن بعد بين يوم وليلة بمثابة مخاطرة كبيرة، لا بدّ قبل الإقدام على خطوة كهذه أن نعدّل من إجراءات العمل ونمنح الموظفين فرصة للتأقلم على نمط العمل الجديد، ولا بأس من (فترة تجريبية) نختار خلالها قسم أو فريق عمل صغير ضمن الشركة ونسمح له بالعمل من المنزل خلال هذه الفترة، ثم نقيس الإنتاجية لنرى إن كانت سترتفع أم لا. ربما حينها سنجد أن البعض لن يتمكن من العمل إلا من خلال المكتب، في حين أن البعض الآخر سترتفع إنتاجيته بالفعل.
في الواقع، لقد صادفنا هذه الحالات ضمن طاقم العمل في حسّوب، فعلى مدار 6 سنوات -وهو عمر الشركة منذ تأسست عام 2011 حتى يوم اللقاء- رصدنا المراحل التي يمرّ بها الموظف عن بعد، ممَّن كان متميزًا في سنته الأولى ثم انخفض أداؤه في السنة التي تليها أو العكس. وهو ما دفعنا لمشاركة (دليل حسّوب للموظفين) والذي وضّحنا فيه آلية العمل لدينا والأدوات التي نستخدمها. يحتاج تطبيق منظومة العمل عن بعد -كأي إجراء آخر- إلى خطة تتضمن التأكد من أن الإجراءات المتبعة في الشركة مناسبة للعمل عن بعد، على سبيل المثال: ألا يكون العمل مركزيًا، بمعنى إذا كنت ستحتاج في كل قرار تتخذه إلى موافقة المدير؛ فإن العمل عن بعد لا يناسبك. أضف إلى ذلك وجود الأدوات المناسبة، فإن كان النظام الداخلي للشركة يستوجب تواجدك فيها أو كانت أدوات إدارة المشاريع غير فعّالة، فيمكننا القول أيضًا أن العمل عن بعد لا يناسبك. إذًا لا بدّ من دراسة الأمر بشكل جيد، إضافة إلى التخطيط والتجربة، حتى على صعيد آلية قياس العمل: إن كانت تعتمد على عدد ساعات الدوام وتحديد مواعيد الانصراف، فستحتاج للانتقال إلى آلية تقيس العمل بالإنتاجية. وتبقى التجربة -كما أسلفنا- هي أفضل طريقة للتأكد من قابلية الانتقال إلى العمل عن بعد من عدمها.
في حسّوب، نطور إجراءات التوظيف بين الفينة والأخرى. لكن تبقى التجربة هي أفضل مقياس، فبعد اطلاعنا على السيرة الذاتية للمتقدم للوظيفة، نُجري معه مقابلتيّ عمل يليهما فترتي تجربة:
في الأولى (والتي تستمر لمدة شهر) يتمّ اعتبار الشخص موظفًا مستقلًا، فلا يتمّ ضمّه إلى الفريق، بل يُكلَّف بمشروع جانبي مدفوع الأجر كتجربة، ونترك له حرية اختيار عدد ساعات العمل التي تناسبه إضافة إلى يوم العطلة الأسبوعية والذي يختلف في شركتنا من موظف لآخر. ثم نعمل كإدارة خلال هذا الشهر على قياس مهارات الموظف وقدرته على الالتزام بمواعيد تسليم العمل، وكل ما يتعلق بالإنتاجية بشكلٍ عام. ولا نتحدث هنا عن عدد ساعات عمله اليومية، بل عن إنتاجيته خلال هذه الساعات.
بعد تجاوز الموظف لهذا الشهر بنجاح، ينضم للفريق في فترة تجريبية ثانية مدتها 3 أشهر نركز خلالها على مهاراته ضمن الفريق من حيث قدرته على التواصل بفعالية و التزامه بالعمل الجماعي.
يمكننا أن نقول ذلك بالفعل، لأن أحد شروط النجاح في العمل المستقل هو امتلاك مهارات تتجاوز مجال العمل، كتنظيم الوقت والقدرة على التواصل والإقناع وحتى مهارات البيع، وهي مهارات لا غنى عنها لأي مستقل. بشكل عام، فرص نجاح المستقل الذي ينتقل إلى العمل عن بُعد أكبر ممن لم يجرّب العمل الحرّ إطلاقًا.
على الإطلاق، يحتاج فقط إلى التعود على بضعة أمور، لنأخذ العمل في حسّوب كمثال: نحن نمنح الموظفين حرية اختيار ساعات العمل ويوم الإجازة الأسبوعية، ويمكن القول أن العمل ضمن شركتنا يمنح الموظف 70% من المرونة التي يمنحها له عمله الحرّ. يكمن الفرق في حاجته لتعلم مهارات العمل ضمن فريق، فبعد أن كان معتادًا على أداء جميع المهام لوحده، سيجد نفسه ضمن فريق يتقاسم معه تلك المهام، وسيحتاج المستقل بعض الوقت ليعتاد على ذلك.
في البداية كنا نعتمد على التواصل عبر السكايب (Skype)، وكان أداة ممتازة، آخذين بعين الاعتبار أن عدد أفراد الفريق صغير نسبيًا (4-5 أشخاص). وبعد التوسع انتقلنا إلى بي-توو (P2) وهي منصة تمنحك ما يُشبه بتويتر (Twitter) مُصغّر. ومع توسع فريق العمل أكثر انتقلنا إلى سلاك (Slack) وهو ما نعتمده حاليًا؛ لما يوفره من مرونة بحيث يمكن لأي شخص طرح سؤال أو استفسار أو تلميح، ولكل فريق قناته الخاصة والتي يمكن لأعضائها متابعتها من خلال الحاسوب المحمول أو حتى الهاتف الذكي. يمكننا اعتبار القناة بمثابة قاعة اجتماعات مصغرة: بحيث تُطرح الأسئلة ويُجاب عنها، ويتم إصدار القرارات ومناقشتها من قِبل أعضاء الفريق. بالنسبة للمسائل الأكبر، فيتم عقد اجتماع أسبوعي لها، تُناقَش فيه المسائل التنسيقية وأهداف الفريق ككل.
أما عن آليات التواصل، فإننا نعتمد بشكل رئيسي على التواصل الكتابي والصوتي، وفي حالات نادرة يتم استعمال الاتصال المرئي الفيديو (Video)، والذي بحسب رأيي هو الأفضل، لكن نظرًا لضعف الاتصالات في بعض الدول العربية؛ يتعذر استخدامه بالشكل الكافي، فصعوبة التواصل في ظل ضعف الإنترنت إحدى أهم مشاكل العمل عن بعد.
نقطة أخيرة فيما يتعلق بالتواصل، وهي اعتمادنا على قاعدة الرسائل المختصرة، بحيث إذا احتاجت الفكرة لأكثر من سطرين أو ثلاث لشرحها، فإن الموظفيْن يحددان موعدًا للحديث. أما القاعدة الرئيسية فهي الطلب المباشر، أو بعبارة أخرى: الدخول في الموضوع مباشرةً، يُراعى فيها مسألة اختلاف الفترة الزمنية في بلد كل موظف، بحيث لا يكون هناك اعتمادية على تواجد الموظفيْن في ذات الوقت لتسيير العمل.
هذه واحدة من النقاط التي ركزنا عليها مؤخرًا، فمثلًا أنشأنا قناة باسم كافيه (Cafe) يتم من خلالها مشاركة فيديوهات (Videos) ترفيهية أو أي أمور خارج إطار العمل، وهي بمثابة استراحة للموظفين. إضافة إلى ذلك، بدأنا في عقد اجتماعات دورية لأعضاء الفريق المتواجدين في نفس البلد أو نفس المدينة، ونخطط لجمع كامل فريق العمل في المستقبل إن شاء الله. أودّ التأكيد هنا على أن العمل عن بعد هو جزء من الحياة، لذا لا بدّ من جعله متعة في حدّ ذاته، بعيدًا عن فكرة أن يقضي الإنسان جزءًا من وقته في العمل ليعاود لاحقًا الاستمتاع بحياته. لذا نفكر في إضافة ميزة السفر لأعضاء الفريق، بحيث يتنقل أعضاء الفريق بين الدول للاجتماع ببعضهم دون الإضرار بمسار العمل. لكن ما زلنا في مرحلة الدراسة وسيتم الإعلان عنها بمجرد الوصول إلى أفضل آلية للتطبيق.
بشكل عام الأمور السياسية والدينية، فنحن موجودون ضمن بيئة عمل، وإن كنا نحترم وجود آراء مختلفة إلا أن الحديث في جوانب الاختلاف سينشر طاقة سلبية للأسف، وهو ما يتعارض مع هدفنا كإدارة في الحفاظ على الجو الإيجابي ضمن بيئة العمل.
كما تفضلت، حسّوب شركة عربية وتركيزها الأساسي موجه إلى المنطقة العربية، ربما يكون التوسع نحو دول ولغات أخرى هدفًا لنا في المستقبل، لكن حاليًا إتقان الشخص للغة العربية هو شرط أساسي للعمل معنا حتى لو كان مبرمجًا يعمل ضمن بيئة برمجية لا حاجة للغة العربية فيها. لذا لم نجرّب العمل مع مبرمجين أجانب، بل نفضل أن تبقى دائرة اختياراتنا ضمن المبرمجين العرب القادرين على فهم بيئة العمل والتعاون مع فريق العمل بفعالية أكبر. أنا لا أقول أن الفكرة مرفوضة كليًا، إنما لا حاجة لنا للخبرات الأجنبية في الوقت الحاضر، فكل ما حققته حسّوب حتى الآن، قامت به جهود عربية. وحتى في حال واجهنا تحديات تقنية عالية التخصص، فإن آلية العمل عن بعد تتيح لنا استقطاب المواهب العربية من أي دولة حول العالم.
نركز حاليًا في حسّوب وبشكل أساسي على العمل الحرّ؛ كونه جزء من العمل عن بعد، وذلك من خلال منصتيّ (مستقل) و(خمسات)، بينما ينصبّ تركيزنا في (أكاديمية حسوب) على نشر ثقافة العمل عن بعد وشرح تحدياته وكيفية التغلب عليها. بالإضافة إلى منتجات أخرى كـ (إعلانات حسوب) التي كانت حجر الأساس للشركة.
بكل سرور، بالنسبة لمنصة مستقل فهي منصة تجمع المستقلين مع أصحاب المشاريع في مكان واحد، بحيث لو كنت صاحب شركة أو رائد أعمال واحتجتَ إلى من يصمم لك موقعًا إلكترونيًا أو تطبيقًا للهواتف الذكية خاص بموقعك الحالي، أو إذا كان لديك مشاريع جانبية خارج اختصاص فريق العمل في شركتك، فيمكنك عن طريق مستقل توظيف مستقلين والتواصل معهم والاتفاق على كافة تفاصيل المشروع الفنية والمالية. كل ذلك تحت إشراف مباشر من المنصة.
أما خمسات، فهي أيضًا منصة للعمل الحرّ، لكن يكون التركيز فيها أكبر على الأمور البسيطة أو السريعة مثل تصميم شعار بسيط أو ترجمة مقالة قصيرة... إلخ. وتُعد منصة خمسات مدخلًا للكثيرين لعالم العمل الحرّ.
وأخيرًا لدينا أكاديمية حسّوب، والتي يمكننا اعتبارها مكملة للمنصتين السابقتين بما تنشره من مقالات متخصصة أصلية أو مُترجمة. وبفضل الله فقد تم نشر أكثر من 3000 مقال باللغة العربية حتى الآن، وهي مقالات متخصصة موجهة للمبرمجين والمصممين والمسوقين وغيرهم، وتهدف إلى تطوير مهاراتهم.
وبالنسبة للمبتدئين الذين لا يعرفون من أين يبدأون، فقد أطلقنا دورات تبدأ من الصفر، موجهةً إلى الراغبين بتعلم المجالات الأكثر طلبًا. فمن خلال دوراتنا -وآخرها دورة في تطوير واجهات المستخدم- نضعهم على الطريق الصحيح من خلال البدء في الأساسيات إلى حدّ امتلاك معرفة معقولة في المجال، ليستمر المتعلم بعدها في تطوير ذاته ومهاراته.
في الواقع، نحن نحوّل المستحقات للآلاف من المستخدمين في الوطن العربي، وبعضهم يعتمد على مستحقاته من منصاتنا بشكلٍ كُليّ، في حين أن البعض الآخر يعتبرهُ دخلًا جانبيًا. ما زال سوق العمل الحرّ في طور النمو، وما زلنا بحاجة إلى المزيد من الشركات التقنية وغيرها لمواكبة السوق العالمية، لكن من خلال تجربتنا في حسّوب، فنحن نسير في الاتجاه الصحيح.
إن أردنا الدقة، فالعمل الحرّ محدد بمهارات معينة، فلا يمكن للطبيب مثلًا أن يصبح مستقلًا! لكن يمكن لمن يمتلك مهارات في الترجمة أو التصميم أن يصبح مستقلًا، كما يمكن للمهندس المعماري أن يقدّم استشارات هندسية مثلًا. لكن من جهة أخرى، فأول من يقتحم أي مجال جديد هم التقنيون، المبرمجين على سبيل المثال هم من يختبرون المواقع الجديدة، وطرق العمل الفريدة، هم من يمهدون الطريق لغيرهم. على العموم، ومن خلال ما رصدناه في منصتيّ مستقل وخمسات، فإن الجزء الأكبر من المشاريع بعيد عن المجالات التقنية، فهناك مشاريع ترجمة وتسويق وتصميم أكبر من تلك المتعلقة بالبرمجة، بعبارة أخرى: العمل الحرّ أكبر من أن يتم حصره في المجال التقني فحسب.
ننطلق في أكاديمية حسّوب من المهارات التقنية التي نمتلك فيها خبرة (البرمجة – التصميم - العمل الحرّ - ريادة الأعمال – التسويق – إدارة السيرفرات)، وهي المجالات التي نركز عليها في مقالاتنا التي ننشرها باللغة العربية. أما ما عداها من مهارات كالترجمة والتدقيق اللغوي، فلها منصات متخصصة بتعليمها.
بالطبع، يعاني الويب (Web) العربي من نقص كبير بالمحتوى، وهو ما دفعنا بالأساس للتركيز على أكاديمية حسّوب على حساب إعلانات حسّوب. دعني أذكرّ القرّاء أنه في الوقت الذي كان الجميع يتحدث فيه عن نقص المحتوى العربي مع طرحهم للحلول من خلال مبادرات ومؤتمرات... إلخ، قمنا بإطلاق إعلانات حسّوب بهدف تطوير الويب (Web) العربي، من خلال مساعدة صنّاع المحتوى على تحقيق دخل ممّا يقدّمونه من محتوى؛ الأمر الذي سيساهم في تقديم محتوى أفضل. لكن ما وجدناه أن من يقدّم محتوى متخصص لا يستفيد من الإعلانات؛ لأن الموقع الترفيهي يحصل على زيارات أكثر من المحتوى المتخصص. فجاءت أكاديمية حسّوب حين لاحظنا عدم وجود محتوى عربي متخصص، وأؤكد على كلمة (متخصص)؛ لأن المحتوى العربي موجود بل وشَهِد زيادة ملحوظة لكن للآسف هو محتوى ترفيهي في 90% من الحالات، وهذا طبيعي كانعكاس لرغبة السوق. لكن إن عُدنا للهدف الرئيسي لحسّوب، وهو دعم المحتوى العربي، سنجد أننا أمام تحدٍ فريد من نوعه، فنحن شركة تقنية نعمل على تطوير المنصات، إنما لم نُرد دخول مجال صناعة المحتوى بحدّ ذاته، لكن حين لاحظنا هذا النقص في المحتوى المتخصص، ولاحظنا أن المحتوى المتخصص لا يستفيد من إعلانات حسّوب؛ قررنا أن نقدّم هذا المحتوى بأنفسنا عسى أن نشجع غيرنا على الأمر ذاته. وكانت النتيجة: التزامنا بنشر 60 مقال شهريًا بمعدل مقالين كل يوم، ونعمل على زيادة العدد آملين أن يصل إلى 120 مقال شهريًا. لا ننكر هنا حقيقة أن أي شخص يودّ تعلم أمور متخصصة جدًا (كالذكاء الاصطناعي أو فروعه مثل تعلم الآلة) يحتاج إلى إتقان اللغة الإنجليزية، وإن كانت أكاديمية حسّوب واحدة من المبادرات لتقديم هذه المجالات للقارئ العربي، لكننا ما زلنا بحاجة للمزيد.
كما تعلم فالمحتوى الذي نقدّمه اليوم هو محتوى مترجم، ونعتمد فيه على جهود المستقلين في منصة مستقل، بحيث نتواصل مع الموقع الأجنبي ونطلب منه الإذن في الترجمة. وبعد حصولنا على الموافقة، يعمد مدير المشاريع في الأكاديمية إلى اختيار المستقلين والاتفاق معهم على ترجمة المقالات وتدقيقها لغويًا، لتنُشر في الموقع. واخترنا العمل الحرّ كآلية عمل؛ لأنه يُشكل علاقة مربحة للطرفين، فتكلفة الترجمة عن طريق مستقل تبقى أقل مما لو قُمنا بتوظيف موظف بدوام كامل، وحتى عدد المقالات يختلف من أسبوع لآخر؛ وهو ما يُتيح للمستقل مرونة أكبر في اختيار عدد المقالات التي سيعمل على ترجمتها.
نصيحتي لهم أن يبدأوا بالتعلم عن طريق الأكاديمية. نعم، أنت تمتلك مهارة معينة (الترجمة – البرمجة – التصميم... إلخ)، لكنك ما زلت بحاجة لمهارات التواصل مثلًا، أو تنظيم الوقت، أو حتى إدارة الفريق...، لذا من الأفضل دومًا أن يبدأ الشخص بقراءة المقالات التي نقدّمها في هذه المجالات، لِمَ؟ لأنها مُختارة بعناية، وتهدف لوضعك على الطريق الصحيح من البداية. ربما يستغرب البعض ويتساءل: أليس العمل الحرّ أسهل من العمل التقليدي؟ في الحقيقة: لا! العكس هو الصحيح، فالعمل الحرّ مليء بالتحديات، وهذا ما يلمسه أي شخص ينتقل من العمل تحت إدارة معينة بمهام معينة في وظيفة مكتبية إلى العمل كمستقل؛ حيث يُضطر للعب أكثر من دور.
يبدأ يومي بالاستيقاظ في الثامنة صباحًا، ارتشف القهوة ثم أجلس لوضع جدول بالمهام الخاصة باليوم، يلي ذلك ساعة أو نصف ساعة لممارسة الرياضة. ثم ابدأ بعملي الفعلي حوالي الساعة الـ 1 ظهرًا حتى الساعة الـ 6 مساءً، حيث ابتعد عن جو العمل سواء من خلال قضاء الوقت خارجًا في مقهى أو مع الأصدقاء أو بممارسة بعض السباحة. أما بالنسبة للعمل، فوقتي مُقسّم بين جزء أقضيه مع الفِرَق وخاصةً فريق البرمجة بما أنني مبرمج أساسًا، وأقضي الجزء الآخر في بناء المنتجات إما بالإشراف على فريق البرمجة، أو من خلال عملي عليها شخصيًا.
سؤال جيد بالفعل، ما أشرت إليه هو واحد من الأفكار المغلوطة عن العمل عن بعد، فالمستقل لا يعمل من سريره، هذه الطريقة ليست جادة من وجهة نظري. تحتاج كمستقل إلى مكان خاص بالعمل، بحيث تحصر تفكيرك في العمل عند البدء به. أما بالنسبة لسؤالك، فأحب التنويع من باب التغيير، لكن في 90% من الحالات استخدم نفس المكتب و نفس الطاولة ونفس المكان.
نرجو ذلك، والشكر موصول لكم.