أصبح من الصعب جدًا العثور على فرص العمل المناسبة في ظل التطور والتغيّر السريعين اللذين يشهدهما العالم، خصوصًا للإناث في مجتمعاتنا العربية وفي السعودية بالتحديد؛ بسبب التحديات والعقبات التي يواجهها الناس للوصول إلى أهدافهم وكسب لقمة عيشهم. ضيفتنا اليوم هي أريج صالح، شابة سعودية مثابرة كرّست وقتها للتعلُّم لتجد الوظيفة التي تناسبها. قامت أريج خلال مسيرتها العملية بتجربة جميع أنواع الوظائف في مختلف المجالات التي كانت بعيدة كل البعد عن مجال دراستها، وبجميع أنماط الدوام: الجزئي والكامل، المسائي والصباحي، لكنها للأسف لم تجد ما تطمح إليه. ومن هنا بدأت أريج البحث عن وسيلة تمكّنها من العمل عن بعد، واستثمرت وقتها في التعلُّم حتى حصلت على الوظيفة التي تناسبها.
أريج صالح، خريجة إدارة أعمال. خلال مسيرتي المهنية قمت بتجربة جميع أنواع الدوام: المسائي، الصباحي، أو الاثنين معًا في وظائف مختلفة، لكنني وجدت أن العمل عن بعد هو الأنسب؛ حيث أصبح لدي وقت مرن وهذا ما كنت أريده منذ البداية ولكنّي لم أجده في العمل اليومي.
كانت وظائف مختلفة، ففي أول وظيفة لي كنت أعمل كمدربة علاقات العامة، وكان دوامي في فترتيّ المساء والصباح، بالرغم من أنه لم يكن مجال دراستي لكنني كنت أدرس المواد ثم أقوم بتدريسها للفتيات، وكانت تجربة جديدة ومختلفة تمامًا استمرت سنة واحدة فقط لأترك بعدها هذا المجال دون عودة؛ لأنني لم أجد نفسي فيه. وفي السنة الثانية توظفت في إدارة المبيعات، وهي وظيفة جميلة في التجارة الإلكترونية وإنشاء المتاجر الإلكترونية، ولكن كان الدوام مسائيًا تقريبًا من الساعة 4 إلى الساعة 9 كل يوم ولمدة 3 سنوات. وكانت هذه التجربة جميلة وكان العمل ممتازًا، ولكن اكتشفت أن هناك وقت يُهدَر بشكل كبير؛ فقررت ترك وظيفتي بعدما ضحّيت كثيرًا وخصوصًا في الجانب الاجتماعي، فأنا لم أجد وقتًا أقضيه مع عائلتي مثلًا.
نعم هذا صحيح. حاولت أن أوازن بينهما لكن كان الدوام 6 أيام في الأسبوع، و دوام يوم السبت كان صباحيًا، أما باقي الأيام كان الدوام فيها مسائيًا. ولكن أعتقد أن العمل يتطلب منك دائما التضحية بأحد الجوانب؛ لبناء قاعدة واسم لك، وهذا ما كنت أسعى إليه.
في ذلك الوقت واجهت مشكلة كبيرة وهي أني لم أجد سائقًا خاصًا؛ فتعطّلت عملية التنمية لدي.
نعم هذا صحيح. عندما لم أجد سائقًا خاصًا توجهت للاستعانة بالسائقين الشهريّين، وكانوا جيدين وغير جيدين في نفس الوقت، ولكن كانت سلبياتهم أكثر خصوصًا عند الاتفاق على السعر؛ فكانت عملية مرهقة بالنسبة لي لأن راتبي كان فقط 3000 ريال وكان السائق يأخذ 1500 ريال ويتبقى لي 1500 ريال. حاولت أن أتماشى مع هذه المشكلة فاكتشفت أنها قضية خاسرة 100% بعد تجربة السائقين لسنة كاملة. واجهت كذلك مشاكل كثيرة معهم، فمثلًا من الممكن أن يتركني السائق بشكل مفاجئ أو أن تتعطل سيارته أو لا يقوم بتعويضي عن الأيام التي لم أداوم فيها، فهذه تقريبًا أكبر معضلة واجهتني.
نعم.
أنا شخص أحب العمل؛ لذا بدأت البحث عن مجال أستطيع العمل فيه دون الحاجة للخروج من المنزل. وقد كانت فترة صعبة بالنسبة لي؛ لأنني كنت معتادة على العمل والحصول على دخل، فترك العمل فجأة كان شيئًا مؤرِّقًا. كان هناك فرص عمل كثيرة مثل مندوبات التجميل وغيرها، لكنني لم أجد نفسي في هذه المجالات. واصلت البحث ثم وجدت أن هناك مجالات مطلوبة بشكل كبير إلا أنني لم أكن متخصصة فيها مثل مجال مواقع التواصل الاجتماعي، فقد كان مطلوبًا بشكل كبير في ذلك الوقت.
كان تمامًا في أواخر سنة 2013، حيث بدأتْ مواقع التواصل الاجتماعي بالانتشار في ذلك الوقت. فبدأتُ البحث ووجدت أن هناك حسابات كثيرة تحتاج إلى إدارتها، ولكن لم يكن لدي الخبرة اللازمة، وكان المحتوى العربي حول هذا المجال ضعيفًا جدًا بل كان معدومًا تقريبًا. فبدأت بقراءة مقالات أجنبية وترجمتها لأني لم أُرد أن أجعل اللغة عقبة أمامي خصوصًا أن المترجم كان متوفرًا. بعد فترة أصبحت لدي فكرة عن كيفية العمل في إدارة الحسابات وذلك عبر الاطلاع على حسابات الشركات وإعلاناتهم وخدمة الرد على العملاء، وهكذا إلى أن حصلت على أول وظيفة لي عن بُعد عن طريق التقدم لإعلان وظيفي في هذا المجال، ومع أنّ الراتب كان قليلًا لكن لم تكن لدي أي مشكلة فمن المهم تكوين الخبرة آنذاك وبعدها سوف أستطيع الحصول على الوظيفة التي أريد، فكان الراتب تقريبًا 1000 ريال فقط من أصل 2000 ريال بسبب عدم وجود الخبرة. ولكن الحمدلله في وقت قصير تمكنت من إثبات نفسي وإدارة الحسابات بشكل ممتاز وكان ذلك على انستجرام (Instagram) و تويتر (Twitter)، ثم أتتني فرص أخرى؛ لأنني كنت أخبر صديقاتي والجميع أني أعمل في هذا المجال، وكان هناك حاجة لشخص يعمل في إدارة الحسابات.
نعم صحيح.
مستمر إلى اليوم ولكن بشكل أفضل، فالحمد لله أصبح عملي أكبر من مواقع التواصل الاجتماعي، فقد عملت على إدارة مشاريع وأعمال إدارية أخرى عن بعد. وكان بعض أصحاب العمل يساعدوني في البداية في تعلُّم كيفية العمل كإعطائي نموذجًا أو غيره للتأكد من أدائي، ولكن الحمد لله حققنا الأهداف المطلوبة.
نعم ممتاز جدًا.
تمامًا، فتقريبًا راتبي الذي أتقاضاه يتجاوز راتب موظف يداوم بشكل كامل في شركة.
الوقت المرن، فوقتي ملكي منذ لحظة استيقاظي حتى موعد النوم. ولكن كان هناك تحدي بالنسبة لي وهو كيفية ضبط وقتي؛ لأن سلبية العمل عن بعد هي عدم وجود وقت معين للعمل، فمثلًا في إدارة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي لا يوجد ساعات عمل معينة؛ فأعمل طوال اليوم، ويزيد حجم عملي في المواسم أيضًا، ولا توجد إجازة، فكان هذا التحدي كبيرًا جدًا بالنسبة لي وهو أن أوازن بين حياتي وعملي. ولكن أشعر بالحرية وبأني سيدة قراري، فأستطيع تحديد وقت العمل المناسب لي، وإن شعرت أني لا أستطيع العمل في وقت ما؛ أتوقف وأعوض العمل في يوم آخر، أو إن كانت هناك مناسبة ما فسأذهب إليها بكل أريحية. وفي المقابل كان هناك تحديات بالنسبة لي مثل: الأهل، والجلوس لفترات طويلة على حاسوبي الشخصي وهاتفي؛ فلم يكن الجميع يفهم ويستوعب آلية العمل عن بعد، فكانوا يعتقدون أني أقضي ساعات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنهم تفهّموا الموضوع مع الوقت بالأخص عندما أخبرتهم عن آلية العمل والحسابات التي أعمل عليها... إلخ. وبسبب العمل عن بعد تقرّبت من عائلتي أكثر؛ لأن عملي السابق كان مُشَّتتًا، أما الآن فأنا متواجدة في البيت دائمًا، وكل راتبي ملكي فلم أكن أُنفق أي شيء على العوامل الخارجية.
نعم المواصلات، وأيضًا ملابس الدوام، ووجبات الإفطار والغداء أحيانًا، على سبيل المثال لكي أشرح لك كم وفرت بالنسبة للملابس، في العادة أحتاج إلى 4 أو 5 قمصان مختلفة في الأسبوع مثلًا، والتي أستطيع ارتداءها لمرة واحدة فقط. وتُعتَبَر الميزانية في الشهر على الأقل 1500 ريال، طبعًا إلى جانب الأشياء الأخرى مثل الإكسسوارات (Accessories) وغيرها.
الملابس نعم، أما الأشياء الأخرى فلشهرين تقريبًا. بشكل عام كل شيء كان يؤثر في الميزانية، وبالنسبة لي فقد حصلت على فرصة عظيمة لتوفير كل هذه المبالغ عن طريق العمل عن بعد، فأصبحت ادخرها بدلًا من إنفاقها على أشياء أخرى وخصوصًا وجبة الإفطار وما تسببه من حرج اجتماعي بالنسبة لي.
صحيح، وأصبح لدي قدرة أكبر للتحكم في الدخل الخاص بي؛ فكنت أنا من يحدد مصروفاتي.
نعم، أعتقد أن هذا هو الجانب السلبي في العمل عن بعد، فيجد البعض في الدوام متنفسهم الوحيد وإن كان الراتب قليلًا بالنسبة للعمل الحر. أما أنا فلدي مرونة في هذا العمل ولدي مكتبي الخاص في المنزل، ومن ناحية الخروج والترويح عن النفس فوالدايّ حفظهما الله يسمحان لي بالخروج أينما أردت إن شعرت بالملل أو أيًا كان. ومن السلبيات الأخرى عدم وجود فريق عمل استشيره أو أتحدث معه حول الأفكار التي لدي، فأكون وحدي في العمل؛ لذا أعتقد أن طبيعة هذا العمل صعبة على الإنسان الذي يحب المشاركة والعمل مع الفريق.
أكثر ما أحبه في هذا العمل أنه لا يوجد من يُلزمني بالقدوم إلى المكتب من الساعة 8 صباحًا إلى الساعة 5 مساءً؛ لأنني فعليًا لا أريد الاستيقاظ الساعة 8 صباحًا، فأنا غالبًا أستيقظ بعد الفجر وأبدأ العمل ثم أعود إلى النوم الساعة 8:30 مثلًا، وبعدها أستيقظ وأُكمل عملي اليومي. أقصد أن لدي المرونة في الوقت؛ لذا من الصعب بالنسبة لي العودة إلى العمل التقليدي وإلزامي بالدوام بشكله الاعتيادي. وفي المقابل قمت بالتضحية بجانبٍ آخر وهو الإجازات، فدوامي مستمر بدون إجازات ولا مانع لدي في هذا، فمن وجهة نظري لا يوجد سبب يُلزم الموظف للعمل حتى الساعة الـ 5، وكنت أرى صديقاتي الموظفات كيف تُهدَّر طاقاتهن بعد الساعة 12 أو 1 ظهرًا دون فائدة أو مبرر.
نعم، فأنا حاليًا أعمل في 3 مشاريع مختلفة تمامًا، كل واحد منها في شركة مختلفة وفي موضوع مختلف. جاءت هذه الفكرة عندما قمت بتجربة جميع مواعيد العمل: صباحًا، ومساءً، والاثنين معًا، فاستطعت بعدها اختيار النمط المناسب لي. وحتى الأعمال التي عملت فيها سابقًا كانت كلها لفترات قصيرة أي لمدة سنة أو سنتين فقط؛ فقد كنت أبحث عن العمل الذي يجعلني أُبدع في كل يوم بشكل مختلف. وفي الدوام التقليدي لم أكن أتقبل فكرة أني أعمل كل يوم في نفس المكان؛ فقد كان هذا الأمر متعبًا وروتينيًا بالنسبة لشخصيتي. وبالرغم من العروض المادية لم أستطع الاستمرار في مكان معين؛ لأن الموضوع لم يكن ماديًا فقط بل كان متعلقًا بالإبداع أيضًا، فقد كنت أشعر بأني ميتة من الداخل، وعندما بدأت العمل الحر أُتيحَ لي اختيار تجارب مختلفة، وكل يوم اختار الأمور التي أريد تجربتها والعمل عليها. وطبعًا أمي سعيدة جدًا؛ فأنا أستطيع العمل من المنزل ومساعدتها وقضاء الوقت مع العائلة.
أعتقد أنه أكثر عمل مناسب للمتزوجات اللواتي لديهن أطفال ومسؤوليات أخرى ولا يستطعن أخذ أطفالهن إلى العمل، لكن من المهم أن تكون لديهن القدرة على إدارة الوقت. وأيضًا هو مناسب جدًا لمن لا يتاح لهم فرص عمل كثيرة كسكان المناطق النائية والقرى التي لا تتوفر فيها فرص عمل مقارنة بالمدن كالرياض مثًلا، فيستطيع أي أحد هناك تعلُّم مهارة معينة وتطويرها واستخدامها للعمل عن بعد.
أتوقع بسبب الاستمرار والديمومة. فلا تستطيع أي جهة أن تمنع الناس من الدخول إلى التويتر (Twitter) في ساعة معينة مثلًا. وأيضًا إن كانت الشركة صغيرة فلن تستطيع الدفع لموظفتين في نفس الوقت؛ لذا فإن موظفة واحدة تكفي.
نعم صحيح، فمثلًا عُرضت عليّ وظيفة أعتبرها الأغرب صراحةً وهي إدارة حساب انستجرام (Instagram) بـ 400 ريال فقط! وعندما اعترضت على المبلغ قال لي صاحب العمل: أنتِ تعملين وأنتِ جالسة في المنزل!
نعم، وكان يريد الاستفادة من الضمانات الاجتماعية أيضًا، فقلت له إن إدارة الحسابات عمل صعب ويحتاج الرد على العملاء بأقصى سرعة؛ فنحن الآن في زمن السرعة ويريد العميل بشكل عام أن يحصل على الرد في نفس الثانية التي يسأل فيها. وهذا الأمر يستهلك الكثير من وقتي؛ فيجب أن أعمل وأقوم بالرد على أسئلة العملاء واستفساراتهم في كل الأوقات حتى في رمضان والأعياد. أعتقد أن هذه المجالات ازدهرت وتطورت بسبب الديمومة والتكلفة ولأنها تحتاج إلى السرعة أيضًا.
نعم هذا صحيح، هذا النوع من العمل تبرز نتائجه. بعض الشركات تطلب التقارير كنوع من الإجراء الروتيني، ولكن الأغلب يعطونك الثقة الكاملة بعد اطلاعك على أهدافهم والنتائج المرجو تحقيقها والعمل عليها. ويجب أن يكون مدير حساب مواقع التواصل الاجتماعي على اتصال دائم مع أكبر مسؤول في الشركة والذي لديه القرار؛ للتواصل معه واتخاذ القرارات المناسبة، فهناك بعض الفرص الذهبية التي لا يمكنك اتخاذ القرار فيها بشكل مباشر دون التواصل مع صاحب العمل؛ لأن الكثير من الأمور تترتب عليها.
بالضبط، أحتاج أن يكون هناك خط تواصل ساخن ومباشر بيني وبينه وليس إرسال بريد إلكتروني أو شيء من هذا القبيل؛ حتى لا يضيع الوقت بالرد على العميل، فالفرصة ستضيع خلال دقائق إن لم تقتنصها.
كنت أستخدم إنترنت بتقنية 4 جي (G4)؛ بسبب الضغط على إنترنت البيت أو بسبب الفصل المفاجئ في الأوقات الحرجة. وأيضًا أنا أعمل من عدة أجهزة وهواتف محمولة؛ فيجب أن يكون لدي إنترنت خاص بي.
صحيح، هناك فتاة عملت معنا لفترة وكانت تعيش في قرية ولم تستطع أن تكمل معنا؛ بسبب سرعة الإنترنت الضعيفة في تلك المنطقة، فاعتذر صاحب العمل منها؛ لأن طبيعة عملنا وتواصلنا يعتمدان على سرعة الإنترنت.
نعم صحيح، للأسف أعتقد أن هذه معضلة كبيرة بالنسبة لهم. من الممكن أن يكون هناك بدائل مثل إنترنت بتقنية 4 جي (G4)، لكن مشكلته هي التكلفة العالية وأنه لا يصل إلى كل المناطق. كانت معنا فتاة أخرى تعمل مصممة جرافيك (Graphic designer) تعيش في منطقة قروية في منطقة الغربية بجانب العُلا، وكان لديها مشكلة في الإنترنت لكن طبيعة عملها لم تكن تحتاج إلى وجود الإنترنت بشكل دائم، وكنا نراعي هذا الأمر فمثلًا كنا نرسل لها العمل قبل فترة، وكنت أُرسل لها تنبيهًا أننا يجب أن نُسلِّم العمل بالتاريخ الفلاني في حال لم يكن لديها إنترنت ولم تستطع رؤية العمل المُرسل إليها. وكانت إنسانة مبدعة بحق؛ فكانت خسارة كبيرة لنا أن تترك العمل بسبب الإنترنت السيء؛ لذا حاولنا سد هذه الفجوة، ولكن للأسف لا تتفهم كل الشركات هذه الأمور.
نعم كانت جدًا موهوبة ومبدعة في مجالها ما شاء الله، وكانت تحاول أن تتعلم بنفسها، فلم يكن في تلك القرية دورات لتعلُّم هذه المهارات. وحتى الإنترنت كانت تدفعه بنفسها ولكن الشركة ساعدتها في هذا الموضوع وأصبحت تدفع الإنترنت عنها؛ لتطوِّر قدراتها أكثر من خلال الدورات، فمثل هؤلاء الأشخاص مستحيل أن تحصل عليهم في الظروف العادية أي في ظروف الدوام التقليدي، كانت بحق فرصة عظيمة.
بالضبط، وأيضًا أرخص، فمثلًا العمل في مجال التصميم في الرياض يحتاج قيمة عالية؛ لأن المعيشة في الرياض تتطلب ذلك. لكن لو كنت تعمل من مكان بعيد فتكون قيمة التصاميم جيدة حتى لو كانت أقل بكثير منها في الرياض، إلا أنها ستكون مناسبة لك.
نعم هذا ما أعنيه، فهذا يحدث كثيرًا وقد حصل لي كما أخبرتك، بل إنني تفاجأت بهذا التفكير؛ لأن مسؤولية العمل من البيت أكبر فهي تحتاج منك أن توازن بين بيتك وعائلتك وبين حياتك العملية.
أعتقد أنه سيكون من الرائع أن يتحول العمل الإداري والسكرتارية بشكل عام للعمل عن بعد، خاصة إذا كان الشخص ممتازًا في المراسلات أو كتابة الخطابات؛ فهذا كله لا يتطلب الدوام كل يوم. وبعض الشركات مثلًا تحتاج إلى محاسب ليوم واحد في الأسبوع وباقي الأيام يمكنه العمل عن بعد؛ لأن هذا أقل تكلفة، وعمل المحاسب في الشركات الصغيرة يكون قليلًا جدًا. وأيضًا البرمجة، فأصبحنا نجد أن الإناث يعملن في هذا المجال مثل برمجة المواقع والتصاميم. وكذلك خدمة الرد على استفسارات العملاء سواء كانت هاتفية أو نصية؛ فهذه الأمور لا تتطلب الحضور أبدًا. وبعض الجهات لديها خدمة عملاء صباحية فقط، خصوصًا خدمات التجارة الإلكترونية، وهذا الأمر غير جيد للعملاء المسائيين، فمثلا إن اتصلت على أمازون (Amazon) فجرًا سيردون عليك لأنهم متواجدون في كل الأوقات. بالنسبة لي هذه تجربة جدًا ممتازة للمتاجر الإلكترونية التي خدمة الرد فيها 24 ساعة أو 16 ساعة على الأقل؛ فهذه الأمور تحسن من جودة العمل وتوفر فرص عمل ولا تتطلب مهارات عالية.
أنصحها بالبحث في مجالات مواقع التواصل الاجتماعي أو البرمجة، وأن تجد المجال المناسب لها. بعض الفتيات كُنّ يخبرنني أنهن يردن العمل عن بعد مثلي، فأستفسر عن مهاراتهن وخبراتهن في تويتر (Twitter) أو انستجرام (Instagram)؛ لأنني لا أستطيع توظيفهن في إدارة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي إن لم يكنّ جيدات في هذا المجال، فأعطيهن مفاتيح للبدء منها، مثل قراءة مقالات أو محتوى معين حول هذه المواضيع، والمحتوى العربي اليوم غني جدًا وهناك دورات مجانية أيضًا؛ لذا يمكنهن العمل على تطوير الذات. وأنا أجد طلبات توظيف لهذه الوظائف يوميًا، وهذا يدل على شح المتقدمين لها وحاجة السوق لمثل هذه الوظائف. أعتقد أنها فرصة عظيمة؛ لأنها لن تأخذ الكثير من وقتك، وفي النهاية ستعملين وأنتِ جالسة في بيتك، أو على الأقل ستعملين في الظروف الحالية ويمكنك فيما بعد أن تعملي في مجالات أخرى. أي أنها مراحل تجربين فيها بعض الأمور وتتعلمين أمورًا أخرى، ثم تنتقلين إلى مراحل أفضل؛ فلا شيء يبقى على حاله.
في الحقيقة هناك تجربة لطيفة نفكر فيها، فمثلًا إن غابت المُدرِّسة في المدارس الأهلية -المدارس الخاصة التي تكون برسوم وليست مجانية-؛ يخصم من راتبها. لذا بدلًا من ذلك يمكنها إعطاء الدروس عن بعد عبر الكثير من المواقع، فيصبح لدينا صفوف افتراضية سواء كانت مسائية أو في أي وقت. هذه التجربة ستوفر فرص عمل للمعلمات اللواتي لا يستطعن القدوم للدوام، وقرأت أن هذه التجربة جُرِبت في إحدى الدول وكانت جدًا ناجحة لدرجة أن بعض المدرسين تركوا وظائفهم؛ ليعملوا عن بعد، فقد وجدوا أن هذا النمط في العمل مُجدي ويساعد أيضًا على استيعاب الطلبة. وأيضًا بإمكان الشركات التي تُلزم الموظفات على الحضور إلى العمل أن توظف 4 موظفات في المكتب بدلًا من 10، وتسمح للبقية بالدوام عن بعد؛ لكي تستفيد من كامل طاقة الموظفين وتقلل من التكلفة أيضًا.
وأيضًا هي فرصة عظيمة للإناث خصوصًا، فأنا أتوقع أن لو اُتيحت هذه الفرصة سيكنّ من أوائل الناس الذين سيخوضون تجربة التعليم الرقمي خلال السنتين القادمتين. وصعوبة التعامل مع التكنولوجيا مشكلة لا يستطيع الجميع التعامل معها، فمثلًا يمكن لمن تعلّمت في مجال معين كالرياضيات أو أيًا كان أن تبدأ العمل وتُنشأ مادة علمية من الآن؛ لكي تنتهز هذه الفرصة العظيمة.
تمامًا، المهارات شيء مهم.
لا يوجد مهارة معينة فكل شيء مطلوب. مثلًا كتابة المحتوى مطلوبة جدًا، فلو كانت الكاتبة جيدة ولا تحب مقابلة الجمهور؛ فإن هذا المجال ممتاز لها، ولدينا الكثير من المتمكنين من اللغة العربية وأسلوبهم جميل في الكتابة لكنهم في نفس الوقت لا يستطيعون مواجهة الجمهور، فكل ما عليهم تطوير أنفسهم والبدء بالعمل. والصعوبات موجودة، بالأخص على صاحب العمل فهو يتعامل مع شخص عن بعد دون مقابلته أو رؤيته، فيجب عليهم تكوين قاعدة واسم معروف لكي يعملوا على تويتر (Twitter) من خلال عمل حساب ممتاز يبين لصاحب العمل أنك شخص مؤهل من طريقة كتابتك و المحتوى الذي تنشره. هذا كله سيعطي انطباعًا جيدًا لصاحب العمل عن مؤهلاتك، وكذلك من الممكن أن تتطوع لكتابة مقالات مجانية وتعرضها على جهات معينة للعمل معهم. حقيقةً هناك الكثير من الطرق لتسويق المهارات.
نعم صحيح، هذا الأمر سَهّل الموضوع كثيرًا.
نعم هذا تحدٍ آخر، لكن أعتقد أن الناس الآن أصبح لديهم وعي أكبر، كما أن هذا النوع من العمل يحتاج إلى إلمام أكبر من ناحية التواصل والنواحي الأخرى. وأعتقد أن مشكلة البيئة المختلطة قد انتهت، فهناك الكثير من الفتيات اللواتي يرفضن العمل في بيئة مختلطة ولكن لا يمانعن العمل عن بعد.
أتمنى أن تستفيد جميع الفتيات من هذه المقابلة بإذن الله، وأتمنى من كل فتاة أن تبدأ بالعمل وأن تطور نفسها في أي مهارة تتقنها، فهناك مشاريع بسيطة يمكن البدء بها، وهناك فرص عمل كثيرة في كل مكان؛ فالعالم يتطور بشكل سريع ويجب أن تواكبي هذه التطورات، وأن تبدأي بتعلُّم أشياء جديدة، ويوجد الآن دورات ممتازة على منصات مثل إدراك ورواق التي أتاحت لنا تعلُّم كل شيء. فيجب أن تحددي هدفك، و تطوري من نفسك، وسوف تصلين بإذن الله.
آمين يا رب، شكرا جزيلًا لك.